العصر الحجري الوسيط (الميزوليت)
يأتي هذا العصر الحجري من بعد نهاية العصر الحجري القديم، وهو في الأغلب طور انتقال ما بين الحجري القديم والحجري الحديث. وأهم ما يتميز به من ناحية أدواته الحجرية دقة هذه الأدوات وصغر حجومها، ولذلك يسمى أيضاً عصر الأدوات الدقيقة "مايكروليثي" (Microlithic). وقد سبق أن ذكرنا التسمية الخاصة التي أطلقت على هذا العصر في العراق، هي الدور "الزوي شيمي" نسبة إلى كهف "زوي شيمي" (في منطقة السليمانية)[1]، ووجدت أدواته الحجرية الخاصة في عدة أماكن في شمالي العراق، بعضها كهوف وملاجئ جبلية، وبعضها على هيئة قرى ومستوطنات في الأرض المكشوفة. وكان أول موضع وجدت فيه كهف "زوي" السالف الذكر، الذي أطلق اسمه على هذا الدور من أدوار العصور الحجرية في شمالي العراق. وعثر عليها أيضاً في كهف آخر اسمه "باولي ــ كورا"، وقد سبقت الإشارة إليه؛ وفي كهف "شانيدر" وجدت أدوات هذا الدور في الطبقة المرقمة "B"، وقد أظهر فحص "الكاربون ـ 14" رقم 10،000 ق.م على أنه حد ادنى لزمن تلك الادوات.
ومع أن الإنسان اعتمد صيد الحيوان وجمع البذور الوحشية مصدراً أساسياً لحياته الاقتصادية، بيد أنه ظهرت إمارات مهمة على انتقال الإنسان في شمالي العراق إلى حياة صار يعمد فيها بالتدريج على جمع الحبوب البرية واختيار بعض أصنافها وظهور البوادر الأولى للزراعة التجريبية المحدود وتدجين بعض الحيوانات كما سنتطرق إلى ذلك بعد قليل في كلامنا على بعض القرى القديمة مثل "زاوي جمي" وكريم شهر وملفعات وكردي جاي، وكلها يرجع إلى أطوال انتقالية ما بين آخر العصر الحجري الوسيط الممثل بقرية "زاوي جمي" وبين طور قرية "جرمو" الذي يعد بداية العصر الحجري الحديث حيث اتضح ظهور الزراعة وتدجين الحيوان على ما سنيين ذلك. أما الأطوار السابقة لطور "جرمو" وهي الأطوار التي أطلقنا عليها اسم العصر الحجري الوسيط، فكانت مراحل انتقالية تمهيدية كما قلنا لبداية تدجين الحيوان وجمع بعض الحبوب التي دجنت وزرعت في الطور الزراعي الواضح الذي تمقله قرية "جرمو".[2][3]
- ↑ يطلق على العصر الحجري الوسيط في سورية ولبنان وفلسطين اسم الدور "النطوفي" نسبة إلى وادي النطوف في فلسطين. وقد عاش النطوفيون، كما كان عليه الحال في شمالي العراق، في الكهوف وفي قرى ومستوطنات مكشوفة، واعتمدوا الصيد وجمع القوى في تأمين قوتهم. كما جمعوا الحبوب البرية. وعثر في بعض هذه المواضع على طائفة من الأدوات منها نوع من المناحل الصوانية، ولكن لم يثبت أنها استعملت للحصد في الزراعة المدجنة، كما لم تظهر إمارات أكيدة على تدجين الحيوان. ولعل معرفة التدجين والزراعة قد انتقلت من شمالي العراق إلى تلك المناطق انظر (CAH،I(1965، Chap3
- ↑ طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ص206-207
- ↑ نقلا عن: 2- العصر الحجري الوسيط (Mesolithic) (almerja.com)