خصائص النجوم الفيزيائية
خصائص النجوم الفيزيائية تمثل مجموعة متنوعة جداً من الخصائص التي تتَّسم بها النجوم، أهمها البعد والحرارة والحجم والسطوع والتركيب الكيمائي. يمكن معرفة وقياس كافة خصائص النجوم الفيزيائية بدقة باستخدام المعدات الفلكية الحديثة والمتطوّرة، التي تعتمد على طرق متنوِّعة للتعرف على هذه الخصائص. لكن لا يُمكن قياس خصائص النجوم الفيزيائية فرادى، إنَّما يتطلب الأمر المرور بسلسلة طويلة، فنبدأ بكل خاصية وندرسها ونقيسها كي نتمكَّن من معرفة الخاصية التي تليها، فمن اللون إلى الحرارة، ومن الحرارة إلى السطوع، ومن السطوع إلى المساحة السطحية، فالقطر أخيراً. بالإضافة إلى البعد الذي توجد تقنيات مختلفة ومتنوعة لقياسه، والتركيب الكيمائي الذي يتطلَّب تحليل طيف النجم باستخدام أجهزة خاصَّة.
التعرف على الخصائص الفيزيائية
عدلالبعد
عدلهناك عدة طرق لقياس بُعد النجوم عنا حسب أنواعها وخصائصها، لكن أبسط هذه الطرق وأكثرها شيوعاً هي ما يُسمى بـ"التزيح النجمي"، تعتمد هذه الطريقة بشكل أساسي على ظاهرة فيزيائية بسيطة نشاهدها خلال حياتنا اليومية. فعندما تركب بالسيارة وتنظر من النافذة وتكون هناك أشجار على طرف الشارع خلفها أبنية، فستشاهد جميع الأشجار تتحرك بسرعة وتختفي من مجال نظرك، بينما تبقى الأبنية ضمن مجال رؤيتك لمدة من الزمن، وإذا كان هناك برج بعيد فقد تستطيع رؤيته لعدة دقائق أثناء حركة السيارة دون أن يَختفي. هذا هو ما نسميه بـ"التزيح"، يَنطبق هذا المبدأ نفسه على النجوم، فعندما تتحرك الأرض حول الشمس نرى أن النجوم القريبة منا تتحرك مسافة ضئيلة عبر السماء بينما تتحرك النجوم البعيدة مسافة أقل، واعتماداً على المسافة التي يَتحركها النجم عبر السماء أثناء قطع الأرض لنصف مدار حول الشمس يُمكننا معرفة بُعد هذا النجم عنا. لكن المسافات التي تتحركها النجوم ضئيلة جداً، ولذا فأنت لن تلاحظ شيئاً مختلفاً في مواقع النجوم عندما تنظر إليها، لكن باستخدام أدوات القياس الفلكية الدقيقة يُمكننا ملاحظة هذه الحركة الضئيلة، ومع ذلك فهناك حد معيّن لا نستطيع بعده قياس تزيح النجوم بسبب تأثير الغلاف الجوي.
قاعدة التزيح بسيطة، وهي أن كل نجم يَتحرك ثانية قوسية واحدة (جزء من 360 من الدقيقة القوسية التي هي جزء من 360 من الدرجة) أثناء قطع الأرض لنصف مدار حول الشمس يَبعد عنا فرسخاً فلكياً واحداً (3.3 سنة ضوئية)، أي أن نجماً يَبعد عن الأرض فرسخين فلكيين سيَتحرك نصف ثانية قوسية، وهلم جراً. لكن لا يُمكن من الأرض بهذه الطريقة قياس بُعد أي نجم بعده عنا يَتجاوز الـ100 فرسخ فلكي بسبب تأثيرات الغلاف الجوي (أي أن تزيحه أقل من 0.01 ث.ق)، ولذا فهذه الطريقة ليست مجدية دائماً. هناك بعض الطرق الأخرى الأقل شيوعاً، منها الاعتماد على قياس ضياء النجم (ضوؤه الحقيقي بغض النظر عما يَصل منه إلى الأرض) ومقارنته بلمعانه (مقدار الضوء الذي يَصل إلى الأرض)، ويَستطيع الفلكيون معرفة الضياء بسهولة بتحليل الدرجة الطيفية للنجم بحيث يَحصلون على مقدار ضيائه (سنتحدث أكثر عن هذا الأمر لاحقاً)، كما يُمكن القيام بهذا بطريقة أخرى مع بعض النجوم المتغيرة التي يُوجد ارتباط بين ضيائها ومدة تغير ضوئها الدورية.
بما أننا نتحدث عن البُعد والمسافات، فهذه فرصة جيدة لإعطاء تعريف سريع بوحدة "السنة الضوئية" والتي ستمر عليك كثيراً لاحقاً، السنة الضوئية هي وحدة لقياس المسافة لا الزمن، وهي تعادل المسافة التي يَقطعها الضوء خلال سنة واحدة، أي ما يَبلغ أقل بقليل من 10 ترليونات كيلومتر.
الحرارة
عدليُمكن قياس الحرارة السطحية لنجم ما بسهولة عن طريق دراسة طيفه (بالرغم من أنه لا يُمكن معرفة حرارة باطنه بدقة)، فلون النجم هو الذي يَحكم على درجة حرارته، كلما كان النجم أسخن كلما كان الضوء الذي يُشعه ذو أطوال موجية أقصر، فأسخن النجوم تظهر باللون الأزرق وأبردها باللون الأحمر (طرفا الطيف المرئي، وتناسب ألوان وحرارة النجوم هذا مُبين في الرسم إلى اليسار). الحرارة السطحية هي من الخصائص المُهمة للنجوم، لأنها يُمكنها الكشف عن العديد من الخصائص الفيزيائية للنجم مثل ضيائه وحجمه، ولذا فتحديدها أساسي جداً للتعرّف على النجوم. قام الفلكيون من أجل تسهيل عملية قياس هذه الخصائص التي تعتمد على درجة الحرارة السطحية - ولتسهيل قياس الحرارة نفسها - بإعداد تصنيف طيفي للنجوم يُسمى بـ"التصنيف النجمي"، هذا التصنيف يُقسم النجوم إلى درجات حسب أطيافها/ألوانها ويُبين مقدار حرارة وضياء ومتوسط كتلة وحجم - ونسب العناصر حتى - للنجوم التي تنتمي إلى كل درجة. للمزيد من المعلومات عن هذا التصنيف، اقرأ مقال ويكيبيديا تصنيف نجمي.
اللمعان والضياء
عدلالضياء هو مصطلح يُطلق على مقدار الضوء الحقيقي الذي يُشعه جرم ما.. بغض النظر عما يَصل من هذا الضوء إلى الأرض. فمثلاً.. ضياء نجم "النسر الواقع" أعلى من ضياء الشمس بعشرات الأضعاف، لكن بالرغم من هذا فإننا نرى الشمس في سمائنا أسطع بعشرات آلاف الأضعاف من النسر الواقع بسبب أنه أبعد بكثير عنا منها. يُوجد مصطلح آخر شبيه بالضياء يَجب عدم خلطه معه أبداً.. وهو "اللمعان"، يُشير اللمعان إلى مقدار الضوء الظاهري (أو بالأحرى ما يَصل من الضوء إلى الأرض) للنجوم، ومن ثم فيُمكننا القول أن الشمس ألمع النسر الواقع بالرغم من أن ضياءه أعلى بكثير من ضيائها. يُمكن معرف ضياء نجم ما عن طريق تحليل طيفه كما أسلفنا، فكلما كان لونه أقرب إلى الأحمر كلما كان ضياؤه أقل.. وكلما كان أقرب إلى الأزرق كلما كان ضياؤه أعلى، ويَتناسب مقدار الضياء طردياً مع الحرارة، ولذا فقياس الحرارة - الذي بيناه سابقاً - يُمكننا من معرفة ضياء النجم.
يَجب أن نذكر هنا وحدات قياس اللمعان والضياء، لأنها جوهرية جداً في علم الفلك الرصدي وستمر عليك كثيراً في المراجع الفلكية، الضياء أقل أهمية بالنسبة لهواة الفلك.. وهو عادة ما يُقاس بالضياء الشمسي (مقدار ضياء الشمس) أو القدر المطلق (يَفترض مقدار لمعان الجرم إن كنا على بُعد فرسخ فلكي واحد منه)، أما اللمعان فيُقاس بالقدر الظاهري. مع الوقت.. ستتعود على وحدة القدر الظاهري وستستطيع تخمين مدى وضوح النجم من قدره حتى لو لم ترصده، أو ربما تستطيع حتى تقدير الأقدار بنفسك عندما ترى النجوم دون الاضطرار للعودة إلى مراجع، لكن لكي تأخذ فكرة عامة.. فدعنا نرى بعض الأمثلة الشائعة، لكن أولاً عليك الانتباه إلى أنه كلما زاد رقم القدر كلما كان الجرم أخفت، فالقدر 1 ألمع من 5، وإضافة إلى هذا فيُقاس القدر بكلا أرقام السالب والموجب، والسالب ألمع طبعاً. أقل قدر تراه العين المجردة هو +6، قدر القمر البدر هو -12 والشمس -26، قدر الزهرة (ثالث ألمع أجرام السماء) هو -4، وقدر الشعرى اليمانية (ألمع نجوم السماء) هو -1.5، وقدر أندروميدا (ألمع مجرة في السماء) هو +4
الحجم
عدلوأخيراً الآن نصلُ إلى المرحلة الأخيرة من هذه المتسلسلة، وهيَ الحجم. يَترتب قياس الحجم على قياس الضياء والحرارة، وسنعتمد في استخدام هذين العاملين لقياس حجم النجم على قانون يُسمَّى "قانون ستيفان-بولتزمان" (Stefan-Boltzmann)، ويُفيد هذا القانون بأن مقدار الطاقة التي يُشعِّها النجم في كل ثانية من كل متر مربَّع على سطحه يَتناسب طردياً مع حرارته السطحيَّة مرفوعة إلى القوة 4، أي باختصار وتبسيط أن مقدار الطاقة التي يُشعها النجم يعتمد على حرارته، ومن ثمَّ فإن الحرارة - التي كنا قد عرفاناها سابقاً خلال متسلسلتنا - ستُعطينا ما نُريده هنا. وبمُقارنة مقدار الطاقة التي يشعها النجم (بعد أن عرفناه بقانونا الآنف ذكره) بضيائه (بعد أن عرفاناه أيضاً سابقاً!)، يُمكننا استنتاج مساحته بمُعادلة بسيطة، وذلك بقسمة ضياء النجم على مقدار الطاقة التي يُشعها وهوَ ما يُعطينا عدد الكيلومترات المربعة التي يَتألف منها سطحه. وبعد ذلك يُمكننا بمعادلة أخرى بسيطة جداً التوصل من مساحة النجم إلى قطره هي: ، ومن ثم حجمه، وهكذا نكون انتهينا أخيراً.
دراسة رياضية
عدلسنقوم الآن ببعض التطبيقات الرياضية على ما سبق وأن درسناه من شروحاتٍ عامة، عن كيفية دراسة الخصائص الفيزيائية للنجوم. لا تدع الحروف والأرقام الكثيرة تثير الرهبة في نفسك، فكلُّ ما سنفعله بسيط جداً، ورغم ذلك فإنه يماثل ما سيفعله فلكي حقيقي لاختبار خصائص نجم. كما تعلم في الغالب فإنَّ كل معادلة رياضية قياسية هي عبارة عن مجموعة من المتغيرات المكتوبة على صورة حروف لاتينية، ترمز إلى قيمٍ معينة، وما سنقوم به الآن هو استبدال هذه القيم والتعويض عنها بالقيم التي تناسب مسألتنا، بعد ذلك سنستعمل عمليات رياضية بسيطة، هي غالباً الضرب والقسمة، لنصل إلى الناتج الذي نريده. بما أنه ليست هناك أية ضرورةٍ لحساب هذه القيم يدوياً، فأمسك آلة حاسبة واستعملها، ما يهم هو ليس أن تضرب أو تقسم، بل المهم هو فقط أن تعرف كيف ستسير العملية، بحيث تستطيع تطبيقها بنفسك بسهولةٍ ويسر.
المسافة
عدلسنبدأ بأول ما درسناه، وهو قاعدة التزيح النجمي (Stellar parallax). المعادلة العامة لحساب التزيح النجمي هي كما يأتي:
في المعادلة أعلاه، يرمز حرف "d" إلى المسافة، وهي القيمة التي نريد الوصول إليها عبر المعادلة، وبين قوسين تم إيضاح الوحدة التي سنستخدمها لقياس المسافة، وهي الفرسخ الفلكي، واستعمل لها حرفان لاتينيان لأجل الاختصار. وأما الجانب الآخر من المعادلة، الذي سنستعمله لحلّها، فهو يخبرك ببساطة أنه: لكي تتوصل إلى المسافة بوحدة الفرسخ الفلكي، اقسم رقم 1 على مقدار التزيح "p" بالثانية القوسية.
الآن، افترض أنك عالم فلك جالس في مرصدك ترقب نجوم السماء في فصل الربيع (هذا ليس خيالاً)، وقد قمت لتوّك بأخذ قياسٍ لموقع نجم قلب العقرب، وقارنت إحداثياته السماوية بالإحداثيات التي كنتَ قد أخذتها له في الخريف الماضي، فوجدت أن موقعه قد تحرَّك باتجاه الشمال الشرقي 0.00589 ثانية قوسية، أو ما يعادل 5.89 مللي ثانية قوسية. كيف يمكنك الآن أن تعرف كم يبعد عنا قلب العقرب؟ الأمر بسيط جداً، استعمل معادلتنا أدناه، مع التعويض عن قيمة "p" (التزيح) بالرقم الذي توصَّلنا إليه عبر قياسنا الفلكي:
هيا بنا، أمسك آلتك الحاسبة، وأدخل رقم 1، ثم اختر القسمة، وأدخل قيمة 0.00589، وسترى الناتج. إنه 169 (تجاهل ما بعد الفاصلة)، أي أن نجم قلب العقرب يبعد عن الأرض 170 فرسخاً فلكياً تقريباً. اضرب هذا الرقم بقيمة 3.3 لتحوّل الوحدة من الفرسخ الفلكي إلى السنة الضوئية، وستجد أنك حصلت على الناتج: قلب العقرب يبعد عنا 560 سنة ضوئية. إذا دخلت الآن مقالة قلب العقرب على ويكيبيديا، وإن كنت غششت منها فعلاً، فستلاحظ أن المسألة التي حللناها لتوّنا كانت مسألة واقعية تماماً وليست تخيلية على الإطلاق، فتزيّح قلب العقرب هو فعلاً 5.89 مللي ثانية قوسية، وهو يبعد عنا بالفعل 560 سنة ضوئية.
أرأيت؟ الأمر بسيط جداً! الآن، استعمل نفس هذا النهج لحلّ المسائل التالية:
- نجم النسر الواقع هو خامس ألمع نجوم السماء، وأحد أشهر نجومها على الإطلاق، عرفه العرب القدماء باسم "النسر الواقع" لأن بجواره نجمين يشكّلان معه مثلثاً شبيهاً بحرف "v" اللاتيني، فيبدوان وكأنهما جناحا النسر يضمُّهما ليجثم على الأرض، وقد اشتق اسم هذا النجم الحديث بكل لغات العالم "فيغا" من اسمه العربي القديم بعد تحريفه. إن كان تزيح النسر الواقع يبلغ 0.0016 ثانية قوسية، فكم فرسخاً فلكياً وكم سنة ضوئية يبعد عنا؟
- نجم الثعبان هو ألمع نجوم كوكبة التنين، وقد كان قبل ستة آلاف عامٍ (في الأيام الأولى للحضارة المصرية القديمة) نجم الشمال الذي يستدلُّ به على القطب الشمالي للأرض. إذا علمت من مراجعتك أن الثعبان يبعد عنا 303 سنوات ضوئية، فكم يبلغ تزيحه؟ (انتبه إلى أنك هنا بحاجةٍ لتغيير المعادلة قليلاً للتوصل إلى النتيجة، كما انتبه إلى أن المسافة معطاة بالسنة الضوئية لا بالفرسخ الفلكي).
- نجم النسر الطائر هو النجم الثاني عشر من حيث درجة اللمعان بين كل نجوم السماء، وعادة ما يقرن مع النسر الواقع، حيث لقبه قدماء العرب بالطائر لأن بجواره نجمين يشكل معهما خطاً مستقيماً، فيبدو وكأنه نسر محلق في السماء وقد بسط جناحيه عالياً، وقد اشتق اسمه الحديث "ألتاير" من اسمه العربي القديم. إن توصلت عبر قياساتك إلى أن تزيح النسر الطائر يبلغ 0.00194 ثانية قوسية، فكما فرسخاً فلكياً وكم سنة ضوئية يبعد عنا؟
الحرارة والضياء والحجم
عدليمكن التوصل إلى هذا بالاعتماد أولاً على قانون ستيفان-بولتزمان التالي لحساب تدفق الطاقة (F):
حيث أن F هو تدفق الطاقة، أي مقدار الطاقة التي يُشعّها النجم، وT هي درجة حرارته السطحية.
وأما العلاقة بين طاقة النجم (F) وسطوعه (L) ونصف قطره (R)، فهي كالآتي:
حيث أن L هو سطوع النجم بالواط، وR هو نصف قطره بالأمتار، وT هي حرارته بالكلفن، و هو ثابت ستيفان-بولتزمان، ويعادل:
المراجع
عدل- كتاب "Astrophysics is easy! an introduction for the amateur astronomer"، سلسلة "Practical astronomy"، تأليف "Mike Inglis". نشر "Springer Science+business media".