شبه الجملة
تُعرفُ الجملة عند النحويين بأنها ما تركب من مسند ومسند إليه (مبتدأ و خبر) مثل " السماءُ صافية " و " أقبل الصيف " . وتنقسم إلى قسمين : جملة اسمية وهي التي يتصدرها اسم ، وجملة فعلية وهي التي يتصدرها فعل ، ويبرز تركيب آخر وهو شبه الجملة . والمراد بشبه الجملة أمران . أحدهما : الظرف بنوعيه الزماني والمكاني ، أما الآخر فهو حرف الجر مع المجرور (1). الأمور الدالة على أن موضع شبه الجملة النصب: توجد عدة أمور تدل على أن موضع شبه الجملة النصب ومن هذه الأمور :- نزع الخافض عند حذف حرف الجر الأصلي ينصب الاسم بعده ، وذلك في نحو : " زهدت المال " و " وصلنا القرية " و " أمرتك الإحسان " و " لا تقعد قارعة الطريق " ، ومنه قوله تعالى : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا) (2)؛ أي اختار موسى من قومه سبعين رجلاً ؛ فحذف الجار وأوصل الفعل . قبوله حكم المفعول:- يأخذ حكم المفعول ، وينتصب المفعول بعاملٍ مضمر ٍ لدلالة قرنية أو حالية أو لفظية ، وقد يضمر عامل الظرف إذا دل دليل عليه يقول المبرد : فإذا قلت : " يوم الجمعة زيد في الدار " فـ " يوم الجمعة " غير زيد ، وقد عمل فيه استقرار زيد ، وهذا هو الأشهر عند النحويين في جعلهم محل شبه الجملة النصب . حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات يأخذ حكم شبه الجملة بعد المعارف والنكرات حكم الجمل ؛ ففي نحو " رأيت طائراً فوق الغصن ، أو على الغصن " هما صفتان ؛ لأنهما بعد نكرة محضة ، أما في نحو : " رأيت الهلال بين السحاب ، أو في الأفق " فهما حالان ؛ لأنهما وقعا بعد معرفة محضة ، تعدد شبه الجملة : يتضح بالنظر إلى التراكيب النحوية في اللغة العربية أن لشبه الجملة حالات ؛ إذ تأتي أحياناً مفردة، وأحياناً شبهي جملة ، وأحياناً تأتي ثلاثة أشباه جمل في تركيب نحوي واحد . ومثال ورود شبه جملة واحدة قوله تعالى : ( أولئك الذينَ اشْتروا الضَّلالة بالهُدى )(3) وتضم بعض التراكيب النحوية شبهي جملة ، وذلك في قوله تعالى : ( أُحلَّ لكم ليلةَ الصيامِ الرفثُ إلى نِسَائكم )(4) وقوله تعالى : ( فمن كفرَ بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيلِ ) (5) وقوله تعالى : ( فاحكم بينهم بالقِسْط ) (6) . وقد يضم التركيب النحوي ثلاثة أشباه جمل كما في قوله تعالى : ( فإن طبن لكم عنْ شيءٍ منه نفساً فكُلُوه هنيئاً مريئاً ) (7) ثمة مظاهر البلاغية لهذا التعدد في شبه الجملة في القرآن الكريم ؛ إذ تجعل الذهن محكوماً بمعانٍ مختلفة تظهر في بلاغة القرآن ،ويتبين من خلال هذا التعدد تنوع التراكيب النحوية في اللغة العربية ( . وزيادة في الإثراء الأسلوبي الذي رفد به القرآن الكريم اللغة العربية . تعدد المتعلقات لشبه جملة واحدة : تتعدد الأنماط التركيبية لشبه الجملة ؛ فقد يكون له أكثر من متعلقٍ ، وهذه من الخصائص التي يتسم بها هذا التركيب في اللغة العربية ، كما في قوله تعالى : ( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (9) فشبه الجملة الجار والمجرور " في الأرض " يحتمل أن يتعلق بالحدث " تعثوا " وهذا هو الظاهر ويحتمل تعلقه بـ " مفسدين " مع استقامة المعنى . ترتيب أشباه الجمل : تتعدد أشباه الجمل ولتعددها وترتيبها دلالات بلاغية ونحوية ففي قوله تعالى : ( يومَ يَفِرَُ المرءُ منْ أَخِيهِ وأُمِّه وأبيه وصاحِبتِه وبنيهِ) (10) ورد الترتيب وفق تدرج أحوال النفس وما يصحبها من أحاسيس ومشاعر ؛ فتتصاعد معه في وصف القرآن لأهوال يوم القيامة ، وشغل كل امرئ بنفسه وفراره من أهله . فقد بدأ الفرار من الأخ ثم من الأبوين ؛ والأبوان أقرب من الأخ ، فالمكروب يفر من أخيه قبل أن يفر من أبيهِ ، وعند ازدياد الكرب يفر من الأبوين ويبقى متمسكاً بالصاحبة والبنين ، وعندما يتضاعف الكرب يفر من الصاحبة وبعد ذلك يفر من بنيه (11) يتضح أن ترتيب أشباه الجمل يوظف توظيفاً دلالياً ؛ إذ لكل تركيب نحوي دلالاته التي جاء من أجلها كتعلق شبه الجملة بالحدث ، وما ينتج عنه من اكتمال المعنى وزيادة وضوحه