مستخدم:أبو هشام/مسودة

تعدية الأفعال بعلى في القرآن الكريم

عدل
من مباحث حروف الإضافة  (الجر) ما اصطلحوا على تسميته بالتضمين، أو وضع حرف مكان حرف، و في القرآن الكريم من ذلك وضع الباء مكان  (في) الدالة على الظرفيتين الزمانية و المكانية في الآيتين الكريمتين: {و إنكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل}[1] أي في الليل، و {و لقد نصركم الله ببدر}[2] أي في بدر...و منه وضع اللام مكان  (إلى) الدالة على الغاية، قال تعالى: {كل يجري لأجل مسمى}[3] أي إلى أجل مسمى. و لست متحدثا عن  (التضمين) في القرآن الكريم و في الأساليب العربية و تأويلاته و أسبابه و آراء النحويين فيه، بل أريد أن أنوه بجانب من جوانب البلاغة القرآنية، المتمثلة في التحول من تعدية فعل بحرف إضافة اشتهر و عرف أن الفعل يتعدى به  (صبر على ...أرسل إلى ...ناب عن ...مر ب ...الخ) إلى تعدية فعل بحرف إضافة غيره لغرض بلاغي، لا على سبيل التضمين: فالحرف هنا يبقى يحمل معناه هو لا معنى الحرف  (الأصل) كما في التضمين،  و بذلك يصير للفعل معنى مضاف لم يكن له في المعجم. و سيجد القارئ الكريم شواهد على ذلك في آيات كريمة من القرآن الكريم ورد فيها تعدية الفعل بحرف الإضافة  (على) لغرض بلاغي ..لإضافة معنى الاستعلاء إلى معنى الفعل المعجمي ..

فعل (البعث)

عدل
البعث في اللغة،  الإرسال، و البعث في النوم،  الإيقاظ، و بعث الموتى، نشرهم، و يتعدى الفعل تعدية أولى بنفسه، قال تعالى  {كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين}[4]  فإن كان الشئ لا ينبعث بنفسه كالكتاب، فإن الفعل يتعدى إليه بالباء، تقول 《بعثت بالكتاب إليه》لا 《بعثت الكتاب إليه》. و يبعث المرء أو الشئ  (إلى) غاية، فالتعدية الثانية في هذا الفعل بحرف الإضافة  (إلى) .. قال تعالى {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون و ملئه}[5] و قال تعالى {ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات}[6] و قد تجئ (في) الدالة على الظرفية المكانية مكان  (إلى) قال تعالى  {و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله}.[7] و قال تعالى  {و لو شئنا لبعثنا في كل قرية رسولا}.[8] أما تعدية فعل البعث تعدية ثانية بالحرف  (على) فلا ترد إلا إذا كان في البعث بلاء و سوء للمبعوث إليهم، و في ذلك سر البلاغة القرآنية {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس}[9] {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم}[10] {و إذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}.[11]

فعل (الإرسال)

عدل
فعل الإرسال مثل فعل البعث في المعنى و في التعدية. فهو يتعدى إلى الغاية بالحرفين  (إلى) أو  (في) .. فإن كان المرسل عذابا و سوءا تعدى الفعل بالحرف  (على) .. و يجد القارئ شواهد ذلك في الآيات الكريمات : {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة}[12] {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها} {و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم}[13] {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر}[14] {إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر}[15]

فعل (الصبر)

عدل
الصبر حبس النفس عن الجزع، و في ذلك استعلاء من النفس على المكروه. فالحرف الملازم لتعديه (الصبر) هو  (على) .. و قد يتعدى هذا الفعل بنفسه قليلا، قال تعالى  {و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي ..}[16] و يتعدى كثيرا بالحرف  (على). {و لقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا}[17] {و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}[18] {و إذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد}[19] {و لنصبرن على ما آذيتمونا}[20] {و اصبر على ما يقولون ..}[21] {و اصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}[22] و من أسرار البلاغة العربية في القرآن الكريم أن فعل  (الصبر) تعدى بحرف اللام في آيتين كريمتين فقط هما قوله تعالى  {و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}[23] {فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت}[24] و في الآيتين الكريمتين يدعو تعالى رسوله الكريم إلى الصبر لحكم الله، فلا استعلاء على هذا الحكم، و لذلك جاءت تعدية الفعل باللام السببية أو الاجلية لا بعلى الدالة على الاستعلاء ..

فعل (القول)

عدل
 يتعدى فعل  (القول) بعد تعديته المباشرة إلى المفرد أو الجملة  (مقول القول) بحرف اللام .. و قد يحذف هذا الحرف قال تعالى  {يوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد}[25] و قد لاحظت أن المخاطب حين يكون الله تعالى لا تذكر التعدية باللام، كما في الآية الكريمة المذكورة، (نقول لجهنم) ذكرت التعدية  (نقول) لم تذكر التعدية  (لنا) .. و هذا الخلاف يرد أو لا يرد! إذا كان المخاطب غير الله تعالى، لكنه لا يرد أبدا إذا كان المخاطب الله تعالى، و في ذلك _في تقديري_ بلاغة في أدب الخطاب.  أما  (على) مع فعل (القول) فإنها تجعل  (القول) المحتمل الصدق و الكذب .. كذبا لا غير .. {و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون}[26] {أم تقولون على الله ما لا تعلمون}[27] {اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق}[28] {و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون}[29]

فعل الخروج

عدل
تلى فعل الخروج أحرف إضافة متعددة بحسب مقتضى الحال، فقد تليه اللام  {كنتم خير أمة أخرجت للناس}[30] أو في  {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا}[31] أو الباء الدالة على المصاحبة  {و إذا جاءوكم قالوا آمنا و قد دخلوا بالكفر و هم قد خرجوا به}.[32] و يتعدى فعل الخروج بالحرف على إذا كان في الحدث استعلاء و تحد .. قال تعالى  {و آتت كل واحدة منهن سكينا و قالت اخرج عليهن}[33] و قال تعالى  {فخرج على قومه في زينته}.[34]

فعل الدخول

عدل
 لقد تعدى فعل الدخول بالحرف على للدلالة على الاستعلاء أو المكروه .. قال تعالى  {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون}[35] {إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف}[36] {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون}[37] لكن هذا الفعل قد يتعدى بالحرف على. و ليس في الدخول من استعلاء، و في سورة يوسف تعدى هذا الفعل بالحرف على في أكثر من آية كريمة، و الداخل هو المستضعف  {فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر}[38] .. و تعليل ذلك _في تقديري_ أنه مجرد حدث الدخول _في الأصل_ استعلاء، فهو قريب من معنى الاقتحام ..

فعل الكتابة

عدل
 معنى الكتابة معروف، و بهذا المعنى ورد فعل الكتابة في آيات من القرآن الكريم، قال تعالى  {فليكتب و ليملل الذي عليه الحق و ليتق الله ربه }[39] أيضا، و لكن فعل الكتابة يرد كثيرا بمعنى القدر أو الحكم الإلهي، {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}[40] و  {فالآن باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم}[41] و  {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}.[42] و يعدى فعل الكتابة بالحرف على إذا كان المكتوب _المقدر أو التشريع _ ثقيلا أو مكروها {و لولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا}،[43] و  {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}[44] و  {كتب عليكم القتال و هو كره لكم}[45] و  {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من ديارهم ما فعلوه إلا قليل منهم}[46] ..إلخ.
و بعد : آمل أنني وفقت إلى التنويه بجانب من جوانب الاستعمال البلاغي لحروف الإضافة في القرآن الكريم، و إنني بهذا ادعوا إلى تجنب التزمت في استعمال هذا الحرف أو ذاك مع الأفعال، على أن يحكم الكاتب حسه الأدبي و البلاغي في اختيار الحرف المناسب، و إن لم يرد استعماله في المعاجم.

إيجاز

عدل
 هذه المقالة منقولة من كتاب  (في دائرة النقد اللغوي) ل (يوسف نمر ذياب).[47]

مراجع

عدل
  1. الصافات 137_138
  2. آل عمران 123
  3. الرعد 2
  4. البقرة 213
  5. الأعراف 103
  6. يونس 74
  7. النحل 36
  8. الفرقان 51
  9. الإسراء 5
  10. الأنعام 65
  11. الأعراف 167
  12. العنكبوت 40
  13. الذاريات 41
  14. القمر 19
  15. القمر 34
  16. الكهف 28
  17. الأنعام 34
  18. الكهف 68
  19. البقرة 61
  20. إبراهيم 12
  21. طه 130
  22. لقمان 17
  23. الطور 48
  24. القلم 48
  25. ق 30
  26. الأعراف 33
  27. البقرة 80
  28. الأنعام 93
  29. آل عمران 75
  30. آل عمران 110
  31. التوبة 47
  32. المائدة 61
  33. يوسف 31
  34. القصص 79
  35. الحجر 52
  36. ص 22
  37. الذاريات 25
  38. يوسف 88
  39. البقرة 282
  40. التوبة 51
  41. البقرة 187
  42. المائدة 21
  43. الحشر 3
  44. البقرة 183
  45. البقرة ٢١٦
  46. النساء 66
  47. في دائرة النقد اللغوي _ يوسف نمر ذياب _ وزارة الثقافة والإعلام _دار الشؤون الثقافية العامة _ بغداد 1988